يبدأ الأمر كما يبدأ .. فتجد قلبك يدق بدون سابق إنذار لشخص واحد بعينه دون بقية البشر تراه الرائع الوحيد في العالم ، إذا كان رجلا فهو الرجل الوحيد و من دونه ذكور ، و إذا كانت إمرأة فهي السيدة الأولى و من دونها هن فقط نساء ، تتنفس بطريقه مختلفة في وجوده ، يشرق وجهك برؤيته و تتغير ملامحك عند الحديث عنه أو معه ،، يهيمن على كل ما يمر ...في أروقة ذاكرتك ،، و بكل سهولة و سرعة تشتعل في قلبك الحمم إذا تخيلت أنه يمكن أن يكون لأحد سواك ، فتهرع و تحتكر عواطفه و تنسبها إليك من خلال خاتمين هما تعبير شكلي و داخلي عن الرابطة الروحية التي ستجمع بين قلبيكما إلى الأبد .
و في هذه الأثناء تشتعل جذوة الحب و يتقد الشوق إلى ذلك اليوم الذي سيأذن فيه المولى بإنفرادكم في عُش واحد ، فتكثر الأحلام و مرات الشرود و يصبح الهاتف أهم الأصدقاء وأكثرهم قربا ، و يزداد الإهتمام بالعطور و الملابس و الماكياج والهدايا ، و ينتشي كل منكما بالصدى الذي يجده في نفسه إذا مارس مسئوليته تجاه الآخر - إعتبارا بالحق الذي سيكون - فيمارس الرجل سيادته و قوامته ، و تمارس الفتاة ضعفها و إنقيادها و بين هذا و ذاك تمر أجمل الأيام سريعا كعادتها و يأتي اليوم المنشود الذي سينتمي كل منهم - أخيرا - إلى الآخر .
و تحين اللحظة التي طالما حلمت بها و تسرقك رهبتها و فرحتها و ينتشل أحدهم المنديل فجاة من فوق يديك و أنت مازلت مسروقا بين الحلم واليقظة .
و يا غبطة الجميع و أشد حبورهم ، لقد أعلنكم كتاب الله و سنته زوجا و زوجة .
و حانت مراسم الإشهار في بذلة سوداء و فستان أبيض و ذراعين متشابكين .
فرحة صاخبة و أذن تطن من الزغاريد التي تصدح بها النساء في جدول مرتب .. معلنة وقوعكما في الشراك !
كفى صخبا .
هيا إلى بيت الزوجية ، نملأ كئوسنا من الحب و المعية حد الثمالة ، فهذا مساء أجمل نساء الدنيا و أسعد رجال العالم !
و تمضي عزيزي القارئ عجلة الحياة الزوجية و تبدأ بأسابيع لطيفة يعيشاها الشريكان عسلا و سُكرا ، ثم تأتي من بعد ذلك شهور من الدلال قد تطول أو تقصر، وتليها أياما من السهر على صوت صراخ محبب يصدر من ملاك صغير مزعج ، ثم تجري عجلة الحياة في رحلة كادحة من الكد و التعب تتبدل فيها أوقات العسل مع أوقات الفتور و الإحباط و الشكوى!
بدأت شواغل الحياة تأخذكم و ترهقكم متطلباتها
فخفت لهيب الحب بينكما و إتقد لهيب حب الصغير و أصبح نصيب الرومانسيات من الحياة ضعيفا و تدريجيا تبدأ الأحاديث النفسية بين كل منكم و نفسه في الإعلان عن نفسها .
لقد مللت .
لم تعد تحبني .
لا تقدر ما أفعله من أجلها .
ليس هذا الذي أحببته .
أشعر أنني تسرعت .
كان يخدعني بحبه .
ليست هذه الحياة التي تمنيتها .
يهتم بعمله أكثر مني .
و كأنها لم تكن تريد إلا هذا الصغير و فقط ! .
واحسرتاه على الحب الذي كان .
أين ذهب الحب؟ و غيرها
و يعيشا الشريكان في غيمة صنعوها من الحسرة على الحب القديم الذي سكن عندهم فقط جزءا من الذاكرة و كل الأماني ، و يظل كل منهم أسيرا لمشاعرتلك الخفقة الأولى و العواطف الملتهبة و أحلام اليقظة التي كان يعيشاها قبل الزواج معتبران أن هذا هو الحب و إذ لم يكن بهذا الشكل فلا يُعترف بوجوده !
صديقي القارئ .. هذه قصة متكررة مع كل زواج في العالم - إلا من رحم ربي - و تنتهي بإعلان موت الحب و دفنه في دفتر الذكريات .
حقيقي .. من المفجع أن نشعر بحجم الفرق في الشعور بين الآن و لحظة البدئ .
لكن من الظلم لنا و للحب أيضا أن نعتقد أن الحب يذهب و بموت بعد الزواج .
لأنها مقارنة غير منصفة في الوقت ذاته أن نقارن بين مشاعر ما قبل الزواج حيث اللا إشباع و اللا مسئولية و مشاعر بعد الزواج حيث الإشباع الكامل و المسئولية الكبيرة !
الحب موجود من قبل و من بعد و لكنه يبدل في أثوابه ! و الغالب الأعم منا يرفض أن يراه في ثوبه الجديد .
كان يرتدي ثوب الآهات والكلمات و الشموع والهدايا قبل الزواج .. و بعد الزواج بدل ثوبه بثوب جهود الحفاظ على ترابط الأسرة و سلامة مناخها و توفير حياة كريمة .
أليس هذا حبا؟
الحب لا يجب أن نحصره فقط في فترة الإهتياج العاطفي و لو كانت الأجمل ، ولا يجب أن نتوهم أن أي خفوت فيها يعني أنه في طريقه للموت !
الحب هو الحب لا يتغير و لكن يتغير طريقة التعبير عنه تبعا لدور كل شخص
و مع ذلـــك ؛ ستظل مشاعرنا مرهـونة بالكـلمة و اللمسـة و الحنـان و التقديـر